يتحقق توحيد العبد لله تَعَالَى بالإخلاص له وإفراده بالعبادة، هذا هو أول الأسباب التي يتوسل بها العبد إِلَى ربه سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى في أن يشفع فيه نبيه مُحَمَّد صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فيدخل الجنة بغير حساب ولا عذاب، وهذا من فضل الله تَبَارَكَ وَتَعَالَى عَلَى هذه الأمة، ومن عظيم منته عليها وعلى رسوله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
فيختص الله من حقق التوحيد من هذه الأمة بهذه الأفضلية وبهذه الأسبقية وهم السبعون ألفاً الذين حققوا التوحيد، وهم :{الذين لا يسترقون ولا يكتوون ولا يتطيرون وعلى ربهم يتوكلون} وقد ورد بطرق حسنة: {إن مع كل ألف سبعون ألفاً}بل ورد أيضاً من طريق حسن {أن مع كل واحد من السبعين ألفاً سبعون ألفاً يدخلون الجنة بغير حساب ولا عذاب } فهَؤُلاءِ السبعون ألفاً هم الخلاصة، وهم أول من يدخل الجنة من هذه الأمة، وهم أفضلها، ثُمَّ يلحق الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى مع الواحد منهم سبعون ألفاً فضلاً وكرماً من الله - تَبَارَكَ وَتَعَالَى- ثُمَّ بعد ذلك يدخل النَّاس من هذه الأمة ومن غيرها فيشتركون في أبواب الجنة الباقية.

ولهذا تعرف جناية أعداء التوحيد الذين يريدون أن يبطلوا هذا الاستحقاق وذلك بدعوة النَّاس إِلَى فساد العقيدة بالأقوال الباطلة التي تدعو الْمُسْلِمِينَ إِلَى التعلق بذوات المخلوقين من الأَنْبِيَاء والصالحين، والتعلق بآثارهم والتوسل بها -كما يزعمون- وترك التوسل الحقيقي الذي أعظمه ورأسه توحيد الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى.
فهَؤُلاءِ الذين يربطون الْمُسْلِمِينَ بالأموات الغابرين الذين لا يملكون لأنفسهم نفعاً ولا ضراً ولا موتاً ولا حياةً ولا نشوراً هم أكبر الجناة عَلَى هذه الأمة؛ لأنهم يفسدون عليهم أعظم وأرجى ما عندها، وهو تحقيق التوحيد لله - سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى- فمن حقق التوحيد نال هذه الشَّفَاعَة، ومن لم يحققه فإنه يهلك هلاكاً يحرمه من الشَّفَاعَة كما قال الله تعالى: ((إِنَّهُ مَنْ يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَقَدْ حَرَّمَ اللَّهُ عَلَيْهِ الْجَنَّةَ وَمَأْوَاهُ النَّارُ وَمَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ أَنْصَارٍ))[المائدة:72]، فهذا هو أول الأعمال وأعلاها وأفضلها وأرجاها، وهو الذي يجب علينا جميعاً أن نحققه قولاً وعملاً واعتقاداً، وأن ندعو إليه، وأن يكون هو أساس دعوتنا، كما كَانَ أساس دعوات الأَنْبِيَاء صلوات الله وسلامه عليهم فلا يعبد ولا يطاع إلا الله، ولا يقدم بين يدي الله ورسوله، ولا يرتفع صوت فوق صوت رَسُول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فهذا هو تحقيق التوحيد وتحقيق الإيمان.